22‏/07‏/2011

اختطاف امرأة رائعة اسمها الثورة


السطور نور.. لانستطيع أن نحرم أنفسنا منه، لذلك نستضيف النور الكامن في السطور التالية التي كتبها الشاعر الكبير "حسن توفيق"، قبل أن نستأذنه، عذرنا حاجتنا الدائمة لـ "قبس" من نور سطوره.
---
                                                                   
حسن توفيق


أن تهتز الأرض تحت أقدام الطغاة لكي تخلخل أو تزلزل عروشهم التي نخرها السوس، هذا أمر حتمي ومؤكد، أثبته التاريخ على امتداد عصوره، ويؤكده الواقع الذي نحياه في حاضرنا وستشهد عليه الأجيال الآتية في المستقبل. ولكن أن تهتز الأرض تحت أقدام شعوب بأكملها، بصورة مخيفة تجعل المقهورين يترحمون على ما مضى من طغيان، متناسين ما قاسوا خلال ذلك الطغيان من قهر وظلم وإهانة، قتلك هي الكارثة التي لابد من استئصالها بكل الوسائل، أن يظهر – وسط طوفان الثورات - بلطجية أو بلاطجة أو شبيحة، لكي يقوموا بالترويع والسرقة بالإكراه والقتل والاغتصاب، فهذا كله ليس بالعجيب ولا الغريب، لكن ما يدعو للعجب بل للقرف إلى حد الغثيان، فهو أن يتحول الثوار إلى بلطجية أو بلاطجة أو شبيحة، أو أن يتحولوا من نماذج بشرية مشرفة إلى مسوخ مشوهة ومجوفة، أو أن ينقلبوا من الإيمان بتنوع الآراء واحترام وجهات النظر
المختلفة إلى خلق ديكتاتوريات جديدة مصغرة، تنهج نفس المنهج الذي ثاروا عليه ووقفوا ضده، فهذه كلها – كما قلت وكما أكرر – أمور لا تدعو
للعجب بل للقرف إلى حد الغثيان. السياحة في مصر الآن مضروبة وفقا للمصطلح الشعبي.
الفنادق التي كانت تكتظ عن آخرها بحشود السياح الأجانب ومعهم الأشقاء من السياح العرب أصبحت خاوية. المعالم الأثرية لا تجد من يزورها. أما ما يدل على غياب الوعي أو على غيبوبة العقول، فهو ما عرفته من أن العاملين في قطاع الآثار قرروا القيام بمظاهرة كبيرة في إحدى مدن
صعيد مصر للمطالبة بعودة السياح الأجانب، وكان يمكن لتلك المظاهرة أن تقوم وأن ترتفع فيها أصوات المحتشدين لولا تدخل العقلاء الذين بينوا
لمن كانوا ينوون التظاهر أن السياح يهربون من أي بلد لا يتحقق فيه الاستقرار المقترن بالأمن وبالأمان.
إذا كانت السياحة مضروبة لأن السياح الأجانب لا ينطلقون إلا إلى البلاد التي يتحقق فيها الأمن والاستقرار، فما الذي يمكن أن نقوله عن شبان
مصريين يهددون بإغلاق قناة السويس، لكي يتسنى لهم أن يضغطوا على
السلطة المؤقتة في مصر حتى تستجيب لمطالبهم التي يقومون بتغييرها بين يوم وليلة أو بين ساعة وأخرى؟!
الطريق إلى الجحيم مفروش بالنيات الحسنة. هذا قول شائع وقديم، ولكن ما بالنا إذا كان الطريق مفروشا بالنوايا المشبوهة المقصد والتوجه؟ وهل ضحى مئات الشهداء بأرواحهم الغالية، لكي يسقط الحاكم المتبلد الروح، والفاقد لأي طموح باستثناء طموحه لأن يرث ابنه حكم مصر من
بعده، أم لكي يستبدلوا بالظلمة الشائهة السوداء ظلمات أشد وطأة وقسوة؟
ليلة واحدة للبهجة. ليلة واحدة لا أكثر، تلك الليلة الواحدة كانت ليلة الإعلان عن تنحي أو تخلي الرجل المتبلد الروح عن حكم مصر. كنت واحدا من أبناء مصر المبتهجين بذلك التنحي أو التخلي، وظللت
أرفع علم بلادي وقلبي يهتز فرحا مع رفرفة هذا العلم. كانت وجوه أبناء مصر منورة في الليل، لدرجة أني تصورت أني أحلم حلما لذيذا أو أنني
أتجول في شوارع إحدى المدن المتقدمة – لا بزخارف القول وإنما بروعة الفعل - حيث يبدو الناس فرحين بالحياة ومبتهجين بالسكينة والأمان.
في إحدى قصائده الرقيقة، يقول الشاعر الذي أحبه، الدكتور إبراهيم ناجي:
                       إن يكن حلما تولى مسرعا
                       أجمل الأحلام ما ولى سريعا
لكن المصيبة التي عانيت وما زلت أعاني منها أن الحلم لم يبق منه أثر، وكأن الوجوه المبتهجة التي نورت ظلمات ليلة التنحي أو التخلي قد اختفت تماما، لتحل مكانها وجوه شاحبة مكتئبة، يتحرك أصحابها بتوتر عصبي، حين يمشي كل منهم لأداء عمله اليومي، هذا إذا كان لديه عمل حقا!
الآن أسألكم أو أسأل نفسي على الأقل: هل قام الخاطفون باختطاف امرأة رائعة الجمال، اسمها ثورة، ومن هؤلاء الخاطفون ولماذا اختطفوها قبل أن نبتهج حقا بجمالها، كما يبتهج العشاق في العالم المتفتح للحياة بلقيا حبيباتهم؟!

ليست هناك تعليقات: