11‏/04‏/2013

فاطمة ناعوت تكشف أسرار الهجوم عليها فى الكاتدرائية





فاطمة ناعوت
بدايةً، أود أن أوضّح أن لفظة "الجاهل" ليست سُبّة أو إهانة. فكلنا جاهلٌ على نحو ما، بأمر ما. ورسالتي هذه إلى أولئك الذين يجهلون أمورًا أراها من البديهيات التي لا تغيبُ ان أولي الألباب الذين يُعمِلون عقولهم ويفكرون، في حين أن جاهلا هنا، أو هناك، ممن ركن إلى متعة الكسل وعدم التفكير، وبهجة تسليم عقله إلى سواه ليفكر نيابة عنه، لأن ذا الجهالة في الجهالة ينعمُ. هذا النمط من البشر، يحتاج إلى أن "ـتُسقى" له المعلومة (البديهية) بالملعقة، لكي يفهمها. وها أنا أسقيها له.
 • عزيزي الجاهل الذي غضب وأرغى وأزبد حينما أعلنتُ أن جدي كان مسيحيًّا، ألا تعلم أن جدّك أنتَ أيضًا كان مسيحيًّا، إن كنت مصريًّا؟ فأجدادنا المصريون كانوا مسيحيين حيث دخلت المسيحية مصر قبل ألفي عام، مع مقدم السيد المسيح، عليه السلام، وبعدها بستة قرون دخل الإسلامُ مصرَ مع دخول العرب بقيادة عمرو بن العاص. فإن كنت مصريا مسلمًا، فاعلم أن جدك كان مسيحيا، ودخل الإسلام في أية حقبة سابقة. أما إن كان جدك عربيا جاء مع وفد ابن العاص، وأولئك نسبتهم قليلة، فجذورك عربية ،، ثم اكتسبت الجنسية المصرية بالهجرة والمعايشة، ولا أدري على أي دين كان جدك قبل دخوله الإسلام.
• عزيزي الجاهل الذي يغضب حين يراني أدافع بكل صبر وجَلد عن حقوق أبناء مصر المسيحيين، وأتحمّل لقاء هذا كل ألوان العذاب والتشهير والبذاءات. عزيزي الجاهل الذي يرميني في إيماني ويشيع عني أنني "تنصّرت" أو "ألحدت"، لأنه يظن أن المسيحي "فقط" أو الكافر، هو الذي يجب أن يدافع عن حقوق المسيحي مثله، والمسلمون يمتنعون. عزيزي الجاهل الذي يظن أن إسلامه صحيح حين يرى الظلم ويصمت، طالما المظلوم ليس مسلما مثله. ألا تعلم أنني أبادلك الغضب نفسه، وأتهمك في إسلامك، مثلما تتهمني، حين لا تنتصر لشقيقك المسيحي مثلما أنتصر له؟ هل تعلم أن إسلامي أصحُّ من إسلامك، لأنني أرفض الظلمَ وأنت تقبله وتباركه، وربما تفعله، بل وتهاجم من يحاربه؟ هل تعلم أن مصر، قبل غزو الفكر الوهابي (جيل أبيك وأمك، حينما كانت مصر متحضرة وعادلة وراقية ونظيفة) كانت لا تفرق بين مسلم ومسيحي ويهودي، وكان المصريون يعيشون أزهى عصورهم في تحضر وعدالة ورقي ولم تكن هناك مفردة بغيضة اسمها "طائفية"؟ ألا تحلم مثلي بعودة هذا الجو من التواد والتراحم والتآخي بين أبناء شعبك؟ ألا تغار ممن سبقونا وتتمنى أن تنعم مثلما نعم أبوك وأمك وأجدادك بهذا الحالة الإنسانية الرفيعة؟
• عزيزي الجاهل الذي أزعجته صورة لي في كنيسة، وأنا أنصتُ في أدب لترانيمهم الجميلة التي يدعون فيها بالخير لمصر ونيل مصر وأهل مصر من المسلمين والمسيحيين، ألا تعلم أن جمال عبد الناصر هو الذي شيد الكاتدرائية المرقسية، وأخذ من حصالات أبنائه قروشها ليساهم في بناء أحد الأديرة؟ هل تعلم أن شيوخ الأزهر وعلماء الدين الإسلامي الأجلاء لهم صور مشابهة لصورتي في الكنائس وهم في كامل زيهم الأزهري الجميل، يعانقون رهبانًا وقساوسةً وكهنة وباباوات؟ هل تعلم أن أباك وجدك وجدتك كانوا يحفلون بأعياد الكريسماس مع جيرانهم ويزينون شجرة عيد الميلاد معهم، وكان المسيحيون ينقشون مع جداتنا كعك عيد الفطر، وكانت زيارة الكنيسة من المسلمين أمرًا طبيعيا جدا، قبل أن يظهر شيوخ الوهابية على الفضائيات من أعداء الحياة يكفرون كل خلق الله، ويحرمون ما أحل الله لكي يشيعوا روح البغضة والتناحر التي نعيشها الآن؟ سلْ جدك أو أي عجوز بشارعك عن ذاك الزمن الجميل، يخبرك بما أقول، وأكثر.
• هل تعلم أن كثيرين جدا ممن يعتلون منابر زوايا الصلاة ويسبون خلق الله ويشحنون المسلمين لكي يبغضوا المسيحيين، هم من غير المتعلمين ومعظمهم أميون وربما لو سألتهم في آية أو حديث شريف تلعثموا وما أجابوا؟ هل تعلم أن الفرقة التي يشيعونها بيننا كشعب واحد أمرٌ يصنعه الساسة الفاشيون منذ عهود طويلة لكي يتلهّى الشعب في التناحرات الطائفية ولا يكون لدى الناس طاقة لمناهضة قمع الفاشيين وغلاء الأسعار والجوع والتعليم السيء والعلاج السيء والفساد الإدراي والسياسي الذي يغرقون بلادك فيه؟ هل تقبل أن يدفعك حاكم فاسد لكي ترتكب ما يُحزن الله في سمائه، لكي تسهّل عليه أمور فساده؟ هل تقبل أن يكون حاكمك أذكى منك وأن يجعلك أداة سهلة في يده، وسكينا تذبح بها نفسك وجيرانك؟
• عزيزي الجاهل الذي لا يحب صديقه المسيحي، ثم ينكر علينا محبتهم، ويظن أن هذا هو الطريق إلى الله! كيف يملأ حبُّ الله قلبك ثم يكون فيه متسع لبغض أحد؟ كيف لا تغار منّا، نحن الأسوياء الذين طهّرنا قلوبنا من الكراهية والدنس والبغضة، فلا تحاول أن تفعل مثلنا، أو على الأقل لا تحاربنا حين نحبُّ الناسَ ونساند حقوقهم في الحياة العادلة الكريمة؟ والأخطر، كيف تظن أن الوصول إلى الجمال يأتي عن طريق القبح؟ الله هو الجمال المطلق والرحمة المطلقة والمحبة المطلقة، فكيف "نبغض" عباده لكي نصل إليه؟
• عزيزي الجاهل الذي جعل "الدين" يفرق بينه وبين أخيه. هل تعلم أن لهذا الكون ربًّا واحدًا هو الله الذي لا شريك له؟ وأن كل البشر، في كل أرجاء الأرض، على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وعقائدهم يعبدون هذا الإله الواحد الأحد؟ حتى أبناء الديانات الوضعية مثل البوذية والزرادشتية يؤمنون بإلهنا الواحد الأحد، ويبحثون عن رمز له، حتى وإن اختلفت زوايا نظرنا إليه عن زاويتهم؟ الفكرة في الإيمان بالله، مهما اختلفت الديانة والعقيدة. الله يحبنا بقدر إيماننا به، وليس بقدر خلاف عقائدنا وتناحرنا واقتتالنا. واهبُ الحياة هو الله الذي مستحيل أن يحب سالب الحياة من البشر.
• عزيزي الجاهل الذي تظن أن الإخواني الذي سرق ثورتك وثروتك، والمتطرف الذي يحرق الكنائس ويهدم الأضرحة ويكسر تماثيل أجدادنا الفراعين، والجهاديين الذين أطلقهم مرسي في بلادنا وأمدهم بالسلاح لكي يقتلوا كل من يقول: لا، إن كنت تظن أن أولئك أقرب إليك من المصري المسيحي المسالم أو المصري المسلم المعتدل، أود أن أخبرك أنك ستكون من ضحايا أولئك الذين تدعمهم الآن، وتظن أنك تتعبد إلى الله، بينما أنت تغضبه، وتُغضب مصر، وتُغضب التاريخ.
• عزيزي الجاهل الذي يستقى دينه من جهلاء بالدين. من أولئك الذين يملأون الفضاء سبابا ولعنا وبذاءة. هل تظن أن الإناء الدنس يُخرج طيبا؟ هل أولئك يمثلون السلف الصالح من الأنبياء والصديقين الذين كانت ألسنهم طاهرة وعقولهم نظيفة وأفعالهم حسنة وسلوكهم متحضرا؟ هل تعتمد أولئك كمعلمين لك وتنسى الإمام محمد عبده والمفكر ابن رشد وكبار المتصوفة الذين وصلوا إلى جوهر ذات الله العليا بحب الله ومحبة عباد الله؟
• عزيزي الجاهل الذي يصدق أن أولئك الشتامين أتقياءً ومن رجال الدين، لمجرد أنهم يذكرون لفظة الجلالة (الله) بين كل مقطع لعنات وآخر، ويتلون آية من القرآن الكريم بعد كل شتيمة يشتمون بها عباد الله. إن كنت تقبل أن يُذكر اسم الله القدوس في جملة واحدة مع اللعن والسباب والبذاءة، فلا عليك فأنت تشبههم، ولا جناح عليك، أما إن كنت مؤمنا مثقفا تأبى أن يُلاك اسم الله بما لا يليق، فاعلم أن أولئك ينصبون باسم الله لكي يخدعوا الناس، وما أسهل أن يُستغل اسم الله لفعل الفواحش، لأن تجارة الدين هي أسهل أنواع التجارة للأسف، وكم باسم الله وباسم الدين ارتكبت من مذابح ومجازر في كل العصور. لأن أولئك القتلة حين يقتلون لا يقولون إننا سفاحون، بل يزعمون أن الله أمرهم بقتل الناس واستلاب أموالهم وأعراضهم، وللأسف، بسطاء العقل في كل عصر يصدقون. فهل تقبل أن تكون ممن يتاجرون باسم الله؟
• عزيزي الجاهل الذي يظن أن الدين جلبابٌ ولحية، اعلمْ أن الحجاج بن يوسف الثقفي، هادم الكعبة بالمنجنيق وصالب عبد الله ابن الزبير على بابها، كان حافظا للقرآن الكريم ومن علماء الدين لكنه قاتل فاشي آثم. وإذن عليك أن تعرف جوهر دينك لتعرف أنه في حسن المعاملة: "الدين المعاملة". عليك أن تصل إلى الله جل جلاله بعقلك وقلبك اللذين لن يَضّلا ولن يُضللاك إن كان عقلك مثقفا ونظيفًا وقلبك طاهرا وخيّرًا وتقيًّا. ثم عليك أن تستقي العلم من أهل العلم، لا من الجهلاء الذين يضخون السموم في عقول البسطاء، ثم يرتكبون الفواحش والكبائر بعيدا عن العيون، لكن الله يفضح سترهم ويكشف لنا عوارهم، ومع هذا مازال بعض الجهلاء يؤيدونهم.
• عزيزي الجاهل الذي يخلط بين النظرية والبشر، وبين العقيدة والبشر، وبين الإسلام والمتأسلمين، اعلمْ أن النظرية شيء ومُطبِّق النظرية شيء آخر. اعلمْ أن النظرية الربانية لا يمسها الخطأ وإنها نزلت لصالح الإنسان لا ضده، ولصالح إعمار الأرض لا فناءه، ولصالح الخير لا الشر، ولصالح التحابّ والتضامّ والتآخي لا للتناحر والتباغض والتلاعن والاقتتال. واعلمْ أننا حين ننتقد المتأسلمين من تجار الدين فإننا لا ننتقد الإسلام، على العكس تماما، نحن ننتصر للإسلام وننقذه من براثن ودنس الذين يشوهونه في عقول البسطاء.
• عزيزي الجاهل الذي لا يعلم أن الله سيسأله إن كان رسم البسمة في عيون إنسان، أو رسم الحزن في قلبه، اعلمْ أن الله تعالى قد قال في حديث قدسي إنه قد يسامح عبدًا من عباده في أمر يخصه هو، جلّ شأنه، لكنه لا يسامح في حق عبد آخر من عباده. فلو آذيت إنسانا لن يسامحك الله، الذي قد يسامحك لو نسيت صلاة العصر أو الفجر، لأن الصلاة أمر يخص الله، مما قد يسامح فيه، لكن حزن إنسان بسببك أمرٌ يخص هذا الشخص، والله من رقيه وجماله وعدله، لم يعط لنفسه الحق في أن يسامح في حق هذا الشخص، ما لم يسامحك هو ذاته.
• عزيزي الجاهل، تجار الدين أفسدوا حياتنا وأغرقونا في الدنس، وأفقدونا أجمل ما في فطرة الإنسان: البراءة. فهل تساعدهم على مزيد من تلويث حياتنا أم تكون مثقفا واعيا لتُرجع إلى المجتمع زمن البراءة الجميل، حيث العقول نظيفة من الدنس، وحيث كان معجمنا يخلو من كل المفردات الجنسية الشهوانية البذيئة التي زرعوها في أرضنا، لأنها تسكن رؤوسهم، ويودون أن تسود؟ لأن المدنس يخشى أن يظل وحده في الدنس، فيعمل على أن يجرّ الناس معه إلى حقل الأوحال. لن أذكر أسماء لأن التخصيص يفسد النظرية، لكن ارجع إلى ملفات أولئك الذين أفقدونا براءتنا وتعرّف على ماضيهم لتعرف أنك تستقي نقاءك من معين ملوث، وتترك قامات دينية مرموقة لم تشُبها شائبة، مركونة بإهمال في زوايا مكتبتك.
• عزيزي الجاهل، عافاك اللهُ وعافانا من وحل الجهل، ورزقنا حُسنَ استعمال عقولنا التي سوف يحاسبنا الله عليها، لأنها أثمن النعم الربانية.