13‏/07‏/2011

اختطاف ثورة

ثورة يناير المصرية تم خطفها بالفعل، خطفها الإسلاميون، بمساعدة المجلس العسكري الأعلى، الذي آلت إليه مقاليد الأمور..
المجلس يصر –منذ البداية- على إجراء الانتخابات أولا، انتخابت مجلس الشعب.. المجلس العسكري يتمسك بنص الدستور الذي يقول إن لجنة إعداد دستور جديد لابد أن تمر من خلال برلمان منتخب، يوافق على أعضاء اللجنة أولا، ثم يوافق على بنود الدستور ومواده التي تقرها اللجنة.
المجلس عسكري، تكنوقراط، وليس سياسيا، ولهذا تغيب عنه –كما هو واضح- اللعبة السياسية، وقد حاول الكثيرون من اللييبراليين لفت نظر المجلس من خلال وسائل الإعلام أو اللقاءات المباشرة مع المجلس أو بعض أفراده.. لكن المجلس العسكري، يصر على مبدأ الانتخابات أولا.
مايغيب عن المجلس العسكري هو التركيبة السياسية في مصر، أو التركيبة الحزبية أو خارطة الانتماءات، فالمصريون غير مسيسين، أو لايهتمون بالشأن السياسي، وهي نظرة رسّختها عقود طويلة من حكم الفرد والحزب الأوحد.. وهناك انفصال حقيقي بين القمة والقاعدة في مصر، المثل الشعبي يقول: شالوا آلدو حطوا شاهين.. أي لايعنينا هذا أو ذاك، وتترجم هذه النظرة كلمة "وأنا مالي"، و"الله يبعدهم عنا" أي الحكومة.. هذه الثقافة الراسخة في عقول الطبقة العامة في مصر، رسخت معها الفجوة بين الشعب والحكومة، فانزوى المصرى بعيدا عن الدولة ورمزها، ليمارس حياته بعيدا عنها، قانعا بأن يظل بعيدا عنها، وبعيدة عنه، شرط أن تتركه في حاله، يدبّر حياته كما يشاء وكيفما يستطيع..
الفجوة الهائلة بين الشعب والدولة تركت أثرها الهائل في الجهل السياسي الفادح، لذلك تبدو المصطلحات السياسية ألغازا أو لوغاريتمات، النسبة العظمى تجهل معنى العلمانية أو الليبرالية أو الدولة الدينية..
وفي ظل نسبة أمية تصل 40%، وغياب الأمية الثقافية بشكل عام، نجد الغالبية العظمى من المصريين غير واعية سياسيا، وبالتالي يكون من السهل قيادهم.. ولأن طبيعة المصريين هي المحافظة والتدين الفطري، فمن السهل الاتجاه لمن يرفع راية الدين، وإذا كانت جماعة الأخوان هي الوحيدة ذات التنظيم الداخلي، والالتحام مع المواطن، وصاحبة القدرة على مساندته في حياته اليومية، دعمه تموينيا أو صحيا، وأحيانا يكون الدعم ماديا في الحالات الصعبة التي يتعرض لها المواطن البسيط- وماأكثرها، مقابل غياب تام للأحزاب التي التصق بها تعريف الأحزاب الكرتونية، وبالتالي يكون الاقتراب طبيعيا من صاحب اليد الطولى، وهو الأخوان، ثم أي اتجاهات دينية سلفية أو صوفية.
ربما أن الإطلالة الماضية على عقل المواطن البسيط من الشعب المصري تكشف أن الطريق ممهد أمام الدينيين لاعتلاء أي منصب، وشغل واحتلال مقاعد مجلس الشعب والمجالس المحلية وتسيد أي انتخابات قادمة.. فإذا كان طبيعيا فوز الإسلاميين بالنسبة العظمى – على الأقل- من مجلس الشعب القادم، الذي سيكون منوطا به اختيار لجنة إعداد الدستور، ثم الموافقة على مواد الدستور، فمن الطبيعي أن يكون الدستور المقبل دينيا، يرسخ الدولة الدينية.. وهنا مكمن الخطر، تحويل مصر إلى دولة دينية، في حين الاحتياج الحقيقي لفصل الدين عن الدولة في مصر، بمعنى إتاحة الفرصة لقيادتها بشكل علمي حديث، لاحكمها فقط بقوانين السلف.. نريد خطوة إلى الأمام، لا الرجوع إلى الخلف مئات السنين.
إصرار المجلس العسكري على إجراء الانتخابات قبل إعداد دستور جديد، يضع مصر هدية في أيدي الدينيين، الذين سيحولون مصر إلى نسخة أخرى من إيران.

ليست هناك تعليقات: