12‏/09‏/2012

الألتراس.. القابض على جمر الوطن



تُرى، لماذا أصرت الدولة على إقامة مباراة السوبر في الأيام الماضية بين الأهلي وإنبي، رغم أن راية الحزن السوداء مازالت مرفوعة في قلب السماء وقلوب كل المصريين ومشجعي الكرة وأهالي شهداء مجزرة أعقبت عرسا كرويا، أو هكذا كان المفترض.
شهور طويلة والقضية تراوح مكانها في أروقة المحاكم، وكأن المطلوب للقضية أن تموت مختنقة في ملفاتها، والزمن كفيل بذلك، كما هو كفيل بنسيان الناس للأمر، وإصابتهم بالملل.
ليس للتذكرة أن أبناء مصر جميعا فلاحون بالأصل، حيث مايزال للقيم احترام، مما يمنع إقامة فرح وبالجوار مأتم، وفي القرى يقر العرف بأن يتعدى المأتم شهورا قبل أن يمسك جار بدف إعلانا لفرحه.
لكن المسئولين عن الدولة يثبتون جهلهم بأهل مصر، ولايشعرون بآلامهم، لأن أرجلهم لم تلامس طين الأرض، ولم يتوحدوا معها، فغاب عن أذهانهم دستور تقرّه الأعراف.
شباب الألتراس الذين يندمجون الآن في السياسة بطهر لاتعرفه السياسة يطالبون بتأجيل أي "أعراس" رياضية، حتى يتم البت في قضية قتل الألتراس في بورسعيد، والمطلب عادل، بل وطبيعي، فكيف نقيم عرسا وفي كل بيت مأتم، وفي كل قلب حزن مقيم.
الشئ الثابت ثبات الأهرامات، أن مجزرة ارتكبت بفعل فاعل، والفاعل مايزال حرا طليقا، رغم أن المتهمين المفترضين معروفون للجميع، على رأسهم المشير طنطاوي، ومحافظ ومدير أمن بورسعيد والجهاز الأمني بها، الذين لم يسألهم أحد عن شئ.
تُرى ماذا يريدون من شباب مصر؟
إنهم يريدون للقضية أن تموت، وأن ينشغل الشباب بمباريات الكرة، وهو نفس فكر النظام السابق لإلهاء الشباب، وتحويل المباريات إلى مشروع وطني يستنزف الفكر والجهد.. فإلى متى سيظل شباب مصر قابضا على الجمر.. جمر البحث عن الحقيقة وكشف المجرمين الحقيقيين، مهما علت مناصبهم ورسخت أسماؤهم في لائحة البعد عن المساءلة، رغم رسوخهم في الوحل حتى الأذنين.

الفكر الطائفي والقرار الرسمي



بالأمس القريب زار الرئيس محمد مرسي طهران، ورغم مشاركته في مناسبة سياسية هامة، إلا إنه "نكش" في المشكلة المذهبية، دون مبرر سوى أن الرئيس غلبه الانتماء المذهبي اكثر من كونه رئيسا لدولة هي إحدى الدول المؤسسة للمناسبة التي تحدث فيها.
ومنذ أيام نرى زيتا جديدا على نار الفتنة النائمة يصبه قرار ظهور مذيعات التليفزيون المصري – الحكومي/ الرسمي- بالحجاب، لأنه يرسخ روح الطائفية ويسحق روح المواطنة، يعزز ثقافة التفرقة بالدين بدلا من الإخاء الوطني، ورائحة القرار تشير إلى نفس الفكر المذهبي الطائفي المفرّق لا الموحد.
إذا كان ظهور المذيعات محجبات مسألة اختيارية شخصية، فإن المبدأ نفسه يعني أن المذيعة المسيحية من حقها وضع صليب كإكسسوار في سلسلة أو بروش، وبالتالي يصبح المشاهدون الذين هم المواطنون مهمومين بالتساؤل عن دين هذه المذيعة أو تلك، والمسألة مرشحة بالتالي للتكرار في نسخة رجالية.
صحيح أن هناك حالات لظهور مذيعات بالحجاب، منهن مذيعة قناة "الجزيرة "خديجة بن قنة"، لكن يجب أن نتذكر أن "الجزيرة" ليست التليفزيون الحكومي أو الرسمي لدولة قطر، وهو ماتؤكده قطر عبر كبار مسؤوليها، ومن خلال العبارة المقترنة باللوجو أو الشعار، وهي "تليفزيون الجزيرة في قطر" بمعنى أنها تتخذ من قطر مقرا، لتنفي الصلة بين سياسة القناة وسياسة الدولة القطرية، وإن كان هذا غير صحيح، لكنه الكلام المعلن.
حتى لو خطر للقارئ أن يتساءل عن تليفزيون قطر –الرسمي- ومذيعاته، وهناك بالفعل مذيعات محجبات، فلابد من التوضيح أن الحجاب في قطر طبيعي ويتسق مع ثقافة هذا البلد الخليجي الذي يحاول الخلاص من تبعية الفكر الوهابي، فالنقاب هناك هو السائد لدى السيدات، ومنه مايُسمى "الغشوة" ويحجب كامل الوجه، وسيدات الأجيال السابقة كن يضعن على وجوههن قطعة جلدية تخفي معظم الوجه تٌسمى "البطّولة"، وتعتز كثيرات من المثقفات القطرية بالخطوة الجريئة للشيخة موزة المسند حرم الشيخ "حمد بن خليفة آل ثاني" أمير قطر، بظهورها أمام المجتمع وهي محجبة مع ظهور جزء من مقدمة شعرها تطل من تحت الحجاب، ويعتبرنها خطوة نحو تحرير المرأة القطرية من نير العادات والتقاليد، والشاهد هنا أن مصر شئ وقطر شئ آخر.
الأمر كذلك يختلف عن حالة السويد التي سمحت لمذيعة سويدة مسلمة هي "نادية جبريل" بالطهور على شاشة التليفزيون بالحجاب، وليس هناك جديد من اختلاف الأمر بين مصر والسويد، فالأخيرة ليس بها منغصات طائفية، وشعبها متمرس في العملية الديمقراطية ويعرف كيف يحترم الآخر المختلف عنه، بينما يكفي حرق قميص في مصر لإثارة الفتنة الجاهزة للاشتعال فورا.
في الثمانينيات من القرن الماضي، سخّر  وزير الداخلية الأسبق "أحمد رشدي" قوى الداخلية لانتزاع كل مايمثل رمزا دينيا من السيارات في ربوع مصر، لكن يبدو أننا في حاجة لقانون يمنع ظهور الرموز الدينية والطائفية على شاشة التليفزيون الحكومي أو القنوات الخاصة، وإلا سنجد أنفسنا أمام لبننة تبدأ من الإعلام لتقضي على مصر كلها.
علينا أن ننبّه الرئيس مرة أخرى، أنه رئيس لمصر ولكل المصريين، بما بعني أن عليه الرؤية بعيونهم والإحساس بإحساسهم، لا الاكتفاء بالتواصل مع جماعة دون الآخرين.