18‏/05‏/2012

وردة.. التي ظلمناها



رحلت وردة، التي ظلت طوال عمرها تحمل لقب الجزائرية إلى جوار اسمها.. رحلت بعد زمان من الطرب لتكون آخر الأصوات الجميلة والقوية التي شنفت آذاننا من بداية الستينيات، وحتى سنوات قريبة قبل أن تعتزل بشكل غير كامل بسبب التقدم في العمر.
كانت وردة صاحبة صوت جميل وقادرة على التطريب، وهو ما رشحها لغناء ألحان كبار الملحنين ومنهم رياض السنباطي ومحمد عبدالوهاب وكمال الطويل ومحمد الموجي، ثم بليغ حمدي الذي كان تعاونها معه بداية عودة قوية لها في نهاية السبعينات، وهي علاقة تكللت بزواج استمر عدة سنوات.. ويمثل التقاء ألحان بليغ بصوت وردة لقاء بحر زاخر بالنغم بصوت قادر على التعبير والتلون في الأداء الذي تتطلبه ألحان بليغ دائمة التجدد والباحثة عن صوت يمثل للملحن آلة موسيقية غنية بالأنغام واسعة المساحة بين القرار والجواب، جمال الصوت وحسن النطق والأداء.
لكنني كلما استمعت لوردة أحس كم ظلمناها نحن معشر المثقفين اليساريين، فبعد عودتها المتألقة في نهاية السبعينيات، كانت آذاننا تصغي لفيروز ونراها مثالا للفنان الذي يجعل المتلقي يشعر بالجمال ويزيد العمل الفني من رقيه وإحساسه بالعالم من حوله، فيما كانت أغنيات وردة مغرقة في العاطفية وتنحصر في الشكوى من الحبيب وعتابه، كنا نشعر بعين الأيديولوجيا بأن أغنيات وردة وسيلة لإلهاء الناس ببعض الضجيج، دون انتباه لما في الصوت من جمال ومقدرة على الأداء، ودون انتباه لسحر موسيقى بليغ الذي سكبه في ألحانه لوردة.
ماحدث مع وردة تكرر – وإن سبقه بسنوات قلية- مع المطرب الذي كان ظاهرة وقتها، وقد سطع بأغنية قفزت به يكون بين النجوم، وهو الفنان الشعبي أحمد عدوية الذي عرفه الناس بأغنيته الأولى المغلفة بالسريالية وهو أغنية "السح الدح امبو".. وقتها ظلمنا عدوية ولم نقدره التقدير المناسب، أو لم نستطع استقباله بشكل يتوازى مع ماتركه من أثر، فانحزنا بعيدا عنه، ولم نستوعب أنه يمثل طبقة شعبية عريضة أحسنت استقباله بفطرة صافية ودون قيود أيديولوجية مسبقة.. لتمر السنوات ويرسخ عدوية نفسه واحدا من أفضل المطربين الشعبيين الذين أنجبتهم مصر.

فيما توقف عدوية عن الغناء منذ سنوات، استمرت وردة في التجدد وماكبة إيقاع العصر لتقدم الأغنية القصيرة، وتسمح لصوتها بالوصول للشباب في ألحان سريعة الإيقاع قصيرة الجمل الموسيقية.
رحم الله وردة التي ظلمناها صغارا، واستمتعنا بغنائها كبارا، وربما يكون هذا الاعتذار مناسبا لصاحبة الصوت الجميل، التي رحلت لتبقى أغنياتها تثبت للأجيال أن غناء جميلا كان يتردد في زمن جميل سابق.

ليست هناك تعليقات: