02‏/05‏/2013

أبعاد سياسية وراء اختيار الطيب للتكريم الإماراتي



رغم أن الشيخ "أحمد محمد الطيب" هو الشيخ الثامن والأربعون في قائمة مشايخ الأزهر، إلا أن أحدا منهم لم يثر الجدل مثلما أقامه الطيب، الذي حظي بإجماع شعبي سانده في معركة أخذت بُعدا سياسيا، وهو مالم يحب الطيب خوض غماره، مبرهنا على الاحتفاظ بالأزهر مؤسسةً علمية إسلامية مستقلة لاشأن لها بالسياسة، وبعيدا عن تقلباتها وتغير أحوالها.
بدأت المشكلة حين رفض الطيب مشروع الصكوك الإسلامية الذي طرحته الدولة كحل لإنقاذ مصر من ضائقتها الاقتصادية، لكن رأي شيخ الأزهر كان حاسما في رفض المشروع وأنه غير شرعي ولادخل للإسلام به، لتبدأ معركة في الخفاء للتخلص من " الشيخ الرافض" لمشروع حكومي، والإيتاء بآخر على هوى جماعة الأخوان المسلمين التي تتولى الحكم، وقد رشحت للمنصب فعليا الشيخ القرضاوي، الذي يقيم في قطر منذ الخمسينات وينطق باسمها ومقرب من أميرها ودوائر السلطة فيها.
دون أن يدعو الطيب أحدا لمساندته ودون أن يمارس أسلوب التعبئة الشعبية، خرجت الجماهير لتكوّن سلاسل بشرية في بعض المحافظات، ودعت لجمعة مناصرة لشيخ الأزهر، خاصة في محافظات الصعيد والدلتا.. والسبب في ذلك ليس حب شخص شيخ الأزهر، بل يعود لسببين الأول هو خيبة الأمل الكبيرة التي لقيها شعب مصر منذ تولي الأخوان المسلمين حكم البلاد للمرة الأولى منذ نشأة الجماعة في 1927، والثاني ذو بعد صوفي معرفي، فالشيخ "الطيب" سليل الشيخ الراحل "أحمد الطيب" شيخ الطريقة الخلوتية في الصعيد منذ عدة أجيال، ويتولى الطيب "الحفيد" رئاسة الطريقة حاليا.. وإذا ماعرفنا أن للطريقة منتسبين لها يقدّرون بالملايين في كفور مصر ونجوعها، لعرفنا مقدار ما يحظى به شيخ الأزهر الحالي من حب، رغم أن المشكلة لم تنته، ولم تفقد الجماعة أو الدولة الأمل في تغيير شيخ الأزهر ذي الحصانة الرسمية بحكم القانون التي تمنع الدولة أو رئيس الجمهورية من تغييره.
بعيدا عن تداخل السياسة بالموضوع، فإن الشيخ أحمد الطيب شخصية وسطية دينيا وعلميا وحياتيا، فإضافة إلى دراسته بالأزهر حتى حصوله على درجة الدكتوراة في الفلسفة، فقد واصل مسيرته العلمية حتى الحصول على درجة الدكتوراة من فرنسا التي أصبح محاضرا لمادة الفلسفة في جامعاتها، وله العديد من الكتب تأليفا وترجمة، ويلاحظ اهتمامه الكبير بالشيخ ابن عربي في كتبه إلي ألفها أو تولى ترجمتها.
لكل ذلك فإن حصول "الطيب" على جائزة شخصية العام الثقافية في جائزة الشيخ زايد بن نهيان الإماراتية يعد تكريما وافق محله لشخصية تقود مؤسسة بحجم الأزهر ومكانته وأهميته بعيدا عن أنواء السياسة والأهواء الشخصية والطائفية، وهي الجائزة التي تبرع "الطيب" بقيمتها المالية للدولة المصرية وتبلغ مليون درهم إماراتي.
ربما يعن لسائل أن يتساءل: ولماذا تم اختيار "الطيب" لهذه الجائزة الرفيعة؟
السؤال لايخلو من وجاهة رغم رائح التشكيك التي تستند إلى أجواء الحرب بين الأخوان المسلمين في مصر والأزهر مؤسسة وشيخا بسبب شخص "الطيب"، وهو مايتقاطع مع ماسببه الأخوان للإمارات من ألم دفع دولة الإمارات لتوجه لهم تهما بمحاولة الانقلاب على الحكم.. وهو مايتماس مع الدعم القطري للأخوان، ليأتي تكريم "الطيب" لمزا  لقطر وغمزا في قناتها.
لكن ذلك لايبتعد عن حقيقة أن "الطيب" يمتلك شخصية عالم ورع يمثل الوسطية الإسلامية البعيدة عن الغلو، وداعية إلى ثقافة التسامح والحوار، وقد تجلَّت أبعاد هذه الشخصية من خلال مواقفه التى ظهرت فى أثناء رئاسته للأزهر، ودعواته المتكررة لنبذ الفرقة والعنف، والاحتكام إلى العقل، والحفاظ على هوية المجتمع وتماسكه.
هذا الاعتدال العام في شخصية "الطيب" هو ماجعل الثوار في ثورة يناير يتفهمون موقفه انطلاق من تفهم شخصيته، فقد كان "الطيب" عضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى في عهد الرئيس المخلوع "محمد حسني مبارك"، لكنه عند تعيينه شيخا للأزهر قدم استقالته من الحزب واللجنة ليحفظ للأزهر استقلاله، وبعد الثورة أقر الطيب بأحقية الثوار في مطالبهم، لكنه مع توالي الأحداث ناشد الثوار عدم الإقدام على أعمال التخريب والحفاظ على المشروعات العامة وحقوق المواطنين فيها.
للطيب رأي هام عن حماية المسيحيين في مصر، فهو يرى أن حمايتهم فرض على الدولة التي عليها حمايتهم كمواطنين أصلاء، ومن أجل هذا قطع الحوار مع الفاتيكان في يناير 2011 لأجل غير مسمى بسبب تهجم البابا السابق بنديكت السادس عشر عن أهمية المسيحيين المصريين بعد أحداث كنيسة القديسين بالأسكندرية.
كما يؤكد "الطيب" رفضه التام العامل مع قادة اسرائيل ولو حتى عبر المصلفحة بالأيدي، إلا إذا أعادت اسرائيل الحقوق لأصحابه من الفلسطينيين أصحاب الأرض، وهو على وعى أن تعامل الأزهر مع اسرائيل يدعم موقف الأخيرة ويقوي شوكتها ويعد نوعا من الاعتر اف بها من أكبر مؤسسة دينية في العالم الإسلامي.
على صعيد العلاقة مع إيران، فإن "الطيب" حريص على التعاون مع العالم الإسلامي ومن بينه إيران، مع تأكيد منه على رفض مشروع التشيع الذي تتبناه إيران.
عبدالرحيم كمال

ليست هناك تعليقات: