01‏/05‏/2011

هل تتواكل النخبة؟




كثيرا ماسألت نفسي: ماذا فعلنا في التكنولوجيا الحديثة، وماذا فعلنا بالإنترنت تحديدا..
سبب السؤال هو مايصلني من رسائل تحث على إعادة إرسالها إلى أعداد تحددها من الأصدقاء أصحاب الإيميلات أو البريد الألكتروني، الرسائل تحمل في مضمونها استغفار الله وذكره أو توضيح معنى الحمد، أو رسائل عن عذاب القبر.. دافع الرسائل كما تقول هو كسب الأجر والثواب دونما عناء.
الظاهرة تمثل امتدادا لمرحلة ماقبل الإنترنت، وهي ثقافة شائعة بين غالبية المسلمين الذين يحملون نفس الدعوة عن طيب خاطر، هدفهم ثواب من عند الله لهم ولمن ينقلون إليهم الدعوة.. وبعد ظهور الإنترنت أتيحت لهم وسيلة سهلة الاستخدام وواسعة الانتشار، بما يؤدي زيادة الأجر والثواب المأمولين، مما يستوجب من المرسلين الإلحاح والأيمان المغلّظة كي لاتحذفها وتعيد توجيه الرسالة إلى الآخرين.
في الحالتين تعكس الظاهرة حسن النية، ونوعا من التواكل طالما أن الأمر سهل وسيكون مفيدا في كل الأحوال بذكر الله الأمر الذي يبعث في النفس الطمأنينة، دون السؤال عما إذا كان لذلك تأثير ما على الآخرين ممن نوجه لهم هذه الرسائل، هل تطمئن نفوسهم بذلك الفعل أم يكون تضييعا لوقتهم، وما إذا كانوا يقتنعون بالفكرة أم لا، مستندين إلى أن الأجر والثواب ينبعان من أفعال يأتيها الإنسان نفسه بمحض إرادته وليس بفعل تذكرة الآخرين له.. بل إن الأمر يتطور إلى أن الأجر والثواب ثم الجنة والنار ليست مقصورة على ماتنطق به الشفاه من تمتمات، فالموضوع أكبر من ذلك وأكثر تعقيدا، وفي الوقت نفسه أكثر يسرا وسهولة على خالق العباد.
الأمر يشمل بشكل كبير المسلمين في معظمهم، ومعظمهم طيب متواكل بسيط الثقافة، ومتدينون بالفطرة.
لكن وصلتني مؤخرا رسالتان من هذا النوع مما دفعني للكتابة عن الموضوع، والسبب أن الرسالتين من شخصيتين نخبويتين احترم عقليتهما كثيرا، الأولى من كاتبة شهيرة وصلت لتحتل منصب رئيس تحرير وهي من المدافعات عن حرية المرأة والمجتمع وتستند إلى رصيد كبير من الثقافة الأجنبية التي لاتعترف إلا بالعقل. الرسالة تحمل دعاء للرسول الكريم وتطلب إرساله إلى أحد عشر صديقا آخر، وتقول إن المسألة مجربة وقد أزالت غم كل من أرسلها من قبل وجلبت له الفرج.
بالطبع كلنا ندعو الله الفراج، لكني تعجبت أن تأتي الدعوة من كاتبة تحمل لواء الحرية الفكرية.
الرسالة الثانية من فنانة أحترمها جدا، وأجلّ فيها ثقافتها وأسلوب تفكيرها.. لكن الرسالة كانت مختلفة بعض الشئ هذه المرة، إذ تحتوى على صورة يسبب النظر إليها بتركيز بقاءها في الذهن لعدة ثوان، الرسالة تطلب التركيز في نقطة معينة في الصورة لعشر ثوان، ثم النظر في سقف الغرفة لمدة 15 ثانية.. بالتجربة لم أدرك المغزي، لكن بمتابعة ردود أصدقاء صاحبة الرسالة وجدت من يقول إنه رأي الصورة في السقف، بما يعني وقوعه ضحية الإيحاء أو الإيهام النفسي.
الخلاصة إنه وإذا كنا نغفر للبسطاء مايقعون فيه من بساطة في التفكير وتسطيح للأمور، فكيف هو الأمر مع شخصيات من النخبة، نستأنس بآرائهم، ونتكئ إلى ماتنتجه عقولهم.. خاصة ونحن في عنق الزجاجة، ننتظر الخروج إلى العالم لنسهم في إنجازاته ونكون مؤثرين فيه، بعد عقود طويلة من السبات والتثاؤب، على المستوى المصري، وبعد قرون من التراجع والاعتماد على الغرب بالنسبة للعالم الإسلامي.
عبدالرحيم كمال
raheemkamal@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: